يحظى موضوع تعزيز الوصول إلى التمويل والخدمات المالية في الدول العربية باهتمام كبير من قبل مجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، إدراكاً منه للفرص الكامنة والكبيرة التي يمكن تحقيقها من خلال تعزيز الشمول المالي لدعم التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة ومواجهة تحديات البطالة وتحقيق العدالة الاجتماعية. لا شك في أن التطورات الحالية والتداعيات السلبية لانتشار جائحة كورونا أبرزت بوضوح الأهمية الكبيرة لتوظيف التقنيات الحديثة لأغراض الشمول المالي، وضرورة تعزيز الخدمات المالية الرقمية وتوعية مستخدميها. لقد عززت الجائحة الطلب على الخدمات المالية الرقمية، وجعلت الحاجة إلى تسريع التحول الرقمي وتحسين الخدمات المالية الرقمية أمراً بالغ الأهمية في السياسات الاقتصادية في المنطقة العربية , بادر مجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية في عام 2016، في ضوء الحاجة المتزايدة لتكثيف الوعي بأهمية الشمول المالي ومحاوره لدى كافة الأطراف في الدول العربية، إلى اعتماد يوم 27 أبريل (نيسان) من كل عام كيوم عربي للشمول المالي، يُحتفل به هذا العام تحت شعار “دور التحول الرقمي في تعزيز الشمول المالي”. من الأهمية في هذه المناسبة التأكيد على دعم جهود المجتمع الدولي في تعزيز الشمول المالي.
يحرص المجلس الموقر على إيلاء قضايا الشمول المالي في الدول العربية الأهمية التي تستحقها، حيث بارك المجلس قيام صندوق النقد العربي بالتعاون مع عدد من المؤسسات الإقليمية والدولية، بإطلاق المبادرة الإقليمية لتعزيز الشمول المالي في المنطقة العربية، بهدف تمكين وتعزيز القدرات والإمكانيات لتذليل العقبات التي تعترض الارتقاء بمؤشرات الشمول المالي في الدول العربية. يُثمن المجلس في هذا السياق، ما تتضمنه المبادرة من أنشطة تركز على التحول المالي الرقمي. وإذ يدعو المجلس المؤسسات الشريكة في المبادرة إلى إيلاء المزيد من الاهتمام لدعم توظيف التقنيات الحديثة في تعزيز وصول الشباب والمرأة والمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة إلى الخدمات المالية، فإنه يرحب بالوثيقة الإرشادية للتحول المالي الرقمي في المنطقة العربية الصادرة عن المبادرة في سبتمبر(أيلول) 2020، كخارطة طريق للمساعدة في وضع سياسات وخطط عمل من أجل ابتكار تقنيات مالية شاملة وآمنة. ترتكز الوثيقة على عددٍ من الأهداف الأساسية، المتمثلة في تعزيز الوصول، وتوسيع نطاق الاستخدام والجودة. تناقش الوثيقة الأطر المختلفة لدعم التحول إلى التمويل الرقمي، بما في ذلك المختبرات التنظيمية للتقنيات المالية الحديثة، وحماية المستهلك والتثقيف المالي، والبنية التحتية المالية والتقنية، والمنافسة، والبيانات والأمن السيبراني، والمراقبة والتعاون. في هذا الصدد، وجب التنويه بالخطوات والإجراءات المتخذة من قبل الدول العربية في سبيل النهوض بالثقافة المالية خصوصاً الرقمية منها. كما يمكن للدول العربية أن تعمل على تطوير وتكامل خطط العمل القُطرية التي تساهم في التحول الرقمي للأنظمة المالية ودعم التنمية الاقتصادية لتحقيق النمو المستدام والتخفيف من حدة الفقر.
كما يؤكد المجلس مجدداً على ضرورة إدماج كافة فئات المجتمع وشرائحه في النظام المالي الرسمي خاصة منهم الشباب والمرأة ورواد الأعمال وقطاع المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، للاستفادة من التقنيات ومتابعة جهود رفع مستوى الوعي لدى كافة هذه الفئات وحماية حقوقهم المالية وتحسين معرفتهم بالأمور المالية الرقمية، بما يمكنهم من اتخاذ القرارات السليمة. في هذا الإطار، يمكن لوزارات التربية والتعليم والثقافة والتعليم العالي في الدول العربية أن تساهم في تعزيز الجهود المتمثلة في نشر وتعميق التعليم والتثقيف المالي الرقمي.
في إطار الأهمية المتزايدة التي باتت تكتسبها استخدامات التقنيات المالية الحديثة في القطاع المالي والمصرفي والنمو الكبير والمتسارع الذي تشهده صناعة هذه التقنيات والخدمات المرتبطة بها على مستوى العالم، نوّه المجلس بدور مجموعة العمل الإقليمية للتقنيات المالية الحديثة التي أطلقها صندوق النقد العربي في تبادل الخبرات والمعرفة حول قضايا التقنيات المالية الحديثة وبلورة الرؤى المختلفة لتنشيطها وتنظيمها في الدول العربية. في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن الصندوق أصدر خلال عام 2020 عدداً من الأدلة والمبادئ الإرشادية التي تعزز إدراك متطلبات التحول الرقمي، وتحديداً الوثيقة الإرشادية حول الهوية الرقمية وأعرف عميلك الإلكترونية، ومبادئ بناء استراتيجيات وطنية للتقنيات المالية الحديثة، إضافة للوثيقة الصادرة مؤخراً حول العمليات المصرفية المفتوحة. يمكن للدول العربية أن تتبنى ما جاء في هذه الأدلة من إرشادات في إطار الاحتياجات والإجراءات لدى كل دولة.